الإقتصاد والأعمال

أكادير:فاكهة الموز.. آخر الحبات في طريق الإندثار “

صباح أكادير:

شمال أكادير منطقة داع صيتها في ربوع المملكة بما تتميز به من خيرات طبيعية خاصة بلدتا أورير وتامري – أو أيتآمر كما يحب أهل المنطقة تسميتها -، إختارت البلدتان أن تتزينا بشجر الموز وتتخذا من ثماره التي تميزت بصغر الحجم والمذاق المتميز شعارا لها، طول هذه الأشجار لا يتجاوز 3 أمتار، ولها أوراق كبيرة تتميز بنعومتها وخضرة لونها إضافة إلى التوائها وإنحنائها لحماية حبات الموز الناضجة من أشعة الشمس الزائدة، يضاف الى هذا أن ثمارها فاكهة حاضرة طوال السنة، إذ كلما اقتطفت موزة سنح لموزة أخرى أن تنمو مكانها، لتباع بعدها في السوق المحلية، فتكون مورد رزق واقتيات لساكنة المنطقة وزوارها.

للموز قيمة معنوية أكثر منها مادية بالنسبة لساكنة أورير و تامري، فهو جزء من ثقافة وهوية البلدتين، ورمز للخصب، الذي يعم أراضيها، فموقعهما الجغرافي، إضافة إلى وفرة المياه وخصوبة التربة أهلا البلدتين لتكونا السباقتين لزرع هذه الفاكهة التي جاءت على يد القايد سعيد أحد أعيان المنطقة التاريخيين إذ ذاك. ويقال إن زائرا أوروبيا زار المنطقة فاستضافه القايد سعيد في رياضه ورحب به وجعله أحد أهل البلدة، وامتنانا منه برحابة الاستقبال وحسن الضيافة أهداه بذور الموز ليغرسها القايد سعيد في حديقته بالرياض، والمعروف أن القايد سعيد له خدامه الذين يخدمونه ويرعون شؤونه، ويقال إن إنتشار شجرة الموز كان وراءه الخدم لأنهم يقطفون بذور الموز لزرعها خارج الرياض بحقولهم الخاصة.

إلى اليوم ما تزال هذه الفاكهة محلية في التسويق غالبا، تباع في الأسواق الأسبوعية وبجنبات الطرق الرئيسة بالمنطقة وكذا يسوقها الباعة المتجولون في شوارع المنطقة إضافة إلى دكاكين البقالة حيث لا يخل دكان من حبات الموز المعلقة على بابه.

وليس عجيبا ما تعرفه هذه الفاكهة من إقبال لا من الساكنة المحلية فقط بل حتى من زوار المنطقة، إضافة إلى مذاقها المتميز تعتبر فاكهة الموز أساسية إذ تنماز برمزيتها الخاصة فلا تستغني أي طاولة أكل من حبات الموز الصحية، كما أنها تجدرت في ثقافة المنطقة وهويتها بشكل كبير فنجد إعدادية بأورير تحمل إسم “ثانوية الموز الإعدادية”، بالإضافة إلى لقب المنطقة والمعروفة باللغة الإنجليزية –”BANANA BEACH”- وباللغة العربية بحر الموز،.

يقول الدكتور الأخصائي في التغدية محمد الفايد بلمحجوب الحائز على العديد من الشواهد والجوائز منها جائزة الحسن للبيئة سنة 1999 متحدثا عن فوائدها : “فاكهة الموز الرطبة و السهلة في البلع فهي لا نواة فيها أو حصى، مكونات هذه الفاكهة تشترك مع الفواكه الأخرى في الألياف الغذائية الذائبة… القطاني و النشويات…و المعروف عن الرياضيين حبهم لهذه الفاكهة،نظرا لتسهيل الموز عملية الهضم بشكل كبير،كما تيسر حركة الأمعاء لأنها تعد مصدرا كبيرا للألياف الغذائية،و هي مسكنة لحرقة المعدة ،كما تعد علاجا ذو فعالية أمام الأمراض الجلدية…عدا تعزيزها للمناعة…و الموز عامة لا يحتوي على الصوديوم، بل نسبة قليلة من البروتينات و الدهنيات و السكريات لا تتعدى ١%.

يمتد الموز على طول واد تامري المطل على المحيط الأطلسي فهذا العامل هو مايساعد في عملية نمو شجرة الموز بكثافة لأن فاكهة الموز تستهلك المياه بكمية كبيرة جدا قد تصل إلى مئات الأطنان،وتتم عملية قطف الموز من طرف أفراد الأسرة القروية بالكامل، والتي تتكون من نسوة وأطفال ورجال يتكفلون فيما بعد ببيعها وهو أحيانا أهم مورد للأسرة، وفي بلدة أورير – وهي كلمة أمازيغية الأصل تعني الجبل – تنتشر بالحقول الممتدة على طول وادي تمراغت والتي تسمى – ” تغزوت “- أي الحقول، وإضافة إلى مياه الوادي الذي لا تجري مياهه طوال السنة، يعتمد على الساقيات التي تسمى محليا ” تارگا” والمنظمة بأعراف خاصة فيما يخص توزيع المياه بين الفلاحين، هذه الأعراف التي أصبحت جمعية خاصة تسهر على إحترامها.

ومع مرور الأعوام أصبحت شجرة الموز مهددة إلى حد بعيد بالإندثار في أغلب حقول أورير فهذه المنطقة تأثرت بالعديد من العوامل الطبيعية أهمها تعاقب سنوات الجفاف الذي ساهم في تقليص مردودية الأرض، إذ لم تعد طرق السقي التقليدية وحدها تكفي لتلبية حاجيات شجر الموز، ورغم إمكانياتهم المتواضعة واجه المزارعون هذه التحديات باعتماد وسائل أكثر حداثة بداية بحفر الآبار واستعمال المضخات..

في رحلة ميدانية إستكشافية تربوية انطلقت من أمام دار الشباب بأورير على الساعة العاشرة صباح يوم الخميس 31 يناير من السنة الحالية، و المتوجهة نحو منطقة تامري، إلتقينا بعد الوصول بالسيدة كلثوم إحدى نسوة دواوير تامري وهي عائدة من عملها في حقل الموز بلباس واضح عليه آثار العمل الصعب و الشاق الذي قامت به ووجهها الشاحب الذي يعبر على معاناتها تقول السيدة كلثوم: “في الماضي القريب كان الموز يعم الأراضي بشساعة لكن فجأة تقلصت مساحاته بسبب الزحف العمراني وإنجراف التربة نتيجة فيضانات الأودية التي أدت إلى ضياع أجزاء من الأراضي، لقد كانت من قبل مصدر رزق يسد جوعنا ونتدبر به حياتنا البسيطة. تضيف السيدة كلثوم، إن المرأة القروية تحمل جزءا من المسؤولية أيضا في تداولها لهذا النشاط الزراعي بجانب الأعمال المنزلية وتربية المواشي لأن الرجل يترك المرأة تهتم بكل هذه الأشغال ويذهب هو ليزاول أعمالا أخرى كاشتغاله في البحر صيادا وأما الأبناء هناك من يساعد أمه وهناك من يريد الهجرة إلى المدينة التي يرىفيها حياة أفضل، وهذا التشتت أكيد سينتج عنه الضياع، ضياع الأسرة، وضياع النشاط الفلاحي لأن اليد الواحدة لا تصفق، إذا إستمر الوضع هكذا فلا شك أن ما تبقى من أشجار الموز ستتلاشى و ستندثر”.

ويقول السيد عبد اللطيف الفاعل الجمعوي بمنطقة أورير ” لقد تضررت زراعة الموز كثيرا في السنوات الأخيرة، بل وهي سائرة في التراجع لأسباب عديدة، إن إنجراف التربة الناتج خاصة عن الفيضانات الدورية التي يعرفها وادي تمراغت بأورير و التي أدت إلى إختفاء حقول حيوية كان له بالغ الأثر”، السيد عبد اللطيف يضيف :” إن أي حل لإنقاذ شجر الموز من الإندثار لابد أن يكون له مدخلان، حماية الأراضي من جرف السيول وأعتقد أن الجهات المختصة أطلقت مشروعا لجدار عازل على جنبات الوادي وهذا أمر مهم، والمدخل الثاني تقويم دخل الفلاح وتحسينه لتستمر الأجيال بالإهتمام بهذه الزراعة، والتجارب أكدت أن تكتل الفلاحين في تعاونيات وجمعيات سيكون له أثر إيجابي في هذا المسار، فمن جهة سيفتح لهم منافذ جديدة للتسويق، ومن جهة سيوحد كلمتهم لكي لا يتعرضوا للابتزاز من طرف تجار الجملة بل سيؤدي إلى إذكاء المنافسة بينهم بما يخدم مصالح الفلاح وهو الحلقة الأضعف في السلسلة.

تمر زراعة الموز بلحظة تاريخية حرجة تهددها بالإختفاء، ويتطلب إنقاذها اليوم تظافر كل الجهود، من الجهات الحكومية والمجالس المنتخبة إلى الفلاح نفسه، فاكهة الموز جزء من ذاكرة وهوية المنطقة لا يجب أن يفقد، فمن لا ماضي له ليس له حاضر ولا مستقبل.

إنجاز :جمال أوتيل/ حسناء أماست/إسماعيل فارس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *